النص الكامل لمقابلة الشيخ محفوظ بن بيه مع مجلة ذا نيو افريكا

صرّح الشيخ محفوظ بن بيّه، الأمين العام لمؤتمر إفريقيا للسلام، في مقابلة حصرية مع كريمة رحنيم، رئيسة تحرير (شمال إفريقيا) في مجلة "ذا نيو أفريكا"، أن مؤتمر إفريقيا للسلام وفّر منصة فريدة للحوار والمصالحة، مما عزّز الالتزام من أجل سلام دائم، لاسيما في المناطق الهشة مثل منطقة الساحل. وقد حقق المؤتمر تقدمًا ملحوظًا في تفكيك الخطابات المتطرفة وتعزيز الإسلام كدين سلام وتعايش. وأضاف أن الدور الاستراتيجي الذي تلعبه موريتانيا في احتضان هذه المؤتمرات هو أمر حيوي، نظرًا لموقعها الجغرافي ودورها التاريخي كجسر يربط بين إفريقيا جنوب الصحراء والمغرب العربي.

وأضاف أن البلاد لطالما كانت مركزًا للعلم الشرعي الإسلامي، خاصة في مجال الفقه المالكي والتقاليد الصوفية، مما يضعها في موقع جيد لمواجهة الأيديولوجيات المتطرفة. وقد ترأس مبادرة مباركة أطلقها جلالة الملك محمد السادس ملك المغرب، وهي تأسيس مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة سنة 2015، مؤكدًا أن مؤتمر إفريقيا للسلام يندرج في هذا السياق المبارك، مما أتاح لموريتانيا، منذ عام 2020، أن تواصل أداء هذا الدور الفريد الذي لطالما اضطلعت به كصلة وصل بين شمال إفريقيا وإفريقيا جنوب الصحراء.

وأكد الشيخ بن بيّه أن هذه المبادرات تتطلب جهودًا مستمرة لتكريس المكتسبات، خاصة في سياق تتزايد فيه مظاهر انعدام الأمن. وأعاد التأكيد على الدور المحوري للعلماء والشخصيات الدينية في تفكيك الخطاب المتطرف من خلال تقديم تفسيرات علمية مضادة للروايات المشوّهة. كما أن القيادات الدينية تُكمّل الاستجابات الأمنية التي تقدمها الدولة، من خلال سعيها إلى التأثير في القلوب والعقول، وبالتالي تعزّز الرسالة الجوهرية للإسلام كدين للسلام.

وفيما يتعلق بدور المرشدات الدينيات، صرّح الشيخ بن بيّه أن تمكين النساء المرشدات هو عنصر أساسي في تعزيز الإسلام المعتدل والحوار بين الأديان. واستلهمًا من تجربة المغرب الرائدة في دمج المرشدات الدينيات، تسعى موريتانيا إلى تعزيز تكوينهنّ وإبراز دورهنّ. فهؤلاء النساء يؤدين دورًا محوريًا في التوجيه الديني وترسيخ السلام، من خلال تحدي الصور النمطية وتعزيز الشمولية في الخطاب الديني. وسيكون تعزيز تأثيرهن أمرًا أساسيًا لتعزيز التسامح والتنوع في المنطقة.

ما هو تقييمكم لخمس دورات من مؤتمر إفريقيا للسلام، خاصة بعد اختتام النسخة الخامسة بعدد من الإجراءات العملية؟

لقد نجحت النسخ الخمس من مؤتمر إفريقيا للسلام في خلق فضاء فريد للحوار والمصالحة، حيث جمعت قادة دينيين وسياسيين، إلى جانب فاعلين من المجتمع المدني. وهو حدث قاري فريد من نوعه يحظى بدعم متواصل من الحكومة الموريتانية ودولة الإمارات العربية المتحدة. ويشهد المؤتمر كذلك حضورًا بارزًا للشباب والنساء، من خلال فعاليات خاصة تضمن انخراطًا أكبر في مسارات السلام. وقد عززت كل دورة من هذه الدورات التزامنا بنشر السلام المستدام في إفريقيا، لاسيما في المناطق الضعيفة مثل منطقة الساحل. كما سجلنا تقدمًا كبيرًا في تفكيك الخطابات المتطرفة والترويج للإسلام الحقيقي، الإسلام الذي يقوم على السلام والمصالحة، والذي كان دائمًا أساس التنمية الاقتصادية والثقافية للحضارة الإسلامية في سياق من التعايش السلمي بين الأديان. ومع ذلك، تبقى التحديات جسيمة، وعلينا أن نواصل العمل الجماعي لتثبيت هذه المكتسبات.

ما أهمية اختيار موريتانيا كدولة مضيفة لهذه الدورات الخمس، خاصة أن السلام والأمن في منطقة الساحل لا يزالان غير مستقرين ويثيران قلق المجتمع الدولي؟

تُعتبر موريتانيا دولة محورية في منطقة الساحل، سواء من حيث الموقع الجغرافي أو الدور التاريخي الذي تلعبه كجسر بين إفريقيا جنوب الصحراء والمغرب العربي. واستضافة هذه الدورات في نواكشوط يسلّط الضوء على أهمية المنطقة في مكافحة التطرف العنيف ويعزز الجهود المحلية نحو السلام. من جهة أخرى، حافظت موريتانيا عبر القرون على تقاليد الإسلام السني المعتدل، بوجود علماء يناقشون مسائل دقيقة في الفقه المالكي، ويهتمون كذلك بتربية النفس والقلب، وهو البعد الذي نفتقر إليه في زمننا الحالي. إن إدراك هذه الديناميكية وانتشارها في عموم المغرب وإفريقيا أدى إلى المبادرة المباركة لجلالة الملك محمد السادس بإنشاء مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة سنة 2015. ويندرج مؤتمر إفريقيا للسلام في هذا المسار المبارك، مما مكن موريتانيا، منذ سنة 2020، من مواصلة لعب دورها التاريخي الفريد كحلقة وصل بين شمال إفريقيا وإفريقيا جنوب الصحراء.

كيف ترون دور موريتانيا في مكافحة التطرف العنيف وتعزيز ثقافة السلام، خاصة في منطقة الساحل؟

تلعب موريتانيا دورًا أساسيًا في مكافحة التطرف العنيف، من خلال مقاربة متوازنة تجمع بين التدابير الأمنية والترويج النشط لإسلام وسطي. وقد نجحت الدولة في تعبئة علمائها ومؤسساتها الدينية لمواجهة الخطابات المتشددة، حيث يتم عزل المتطرفين من خلال رفض شامل لأفكارهم من طرف العلماء، والأئمة، والسلطات، وبالتالي من طرف المجتمع. علاوة على ذلك، أظهرت موريتانيا التزامًا قويًا بالحوار والمصالحة، وهما عنصران أساسيان لتحقيق السلام الدائم في منطقة الساحل.

لاحظنا حضورًا بارزًا للأئمة والمجالس العلمية خلال المؤتمر، ما هو الدور الذي تلعبه الشخصيات الدينية والعلماء في تفكيك الخطاب المتطرف، الذي يستند إليه المتشددون؟

العلماء، والفقهاء، وسائر الشخصيات الدينية، يلعبون دورًا محوريًا في تفكيك الخطابات المتطرفة. فهم يقدمون معرفة علمية معمقة في مواجهة الفكر المتطرف، ويُبرزون أن تفسيرات المتطرفين للنصوص الشرعية ما هي إلا تحريفات وشذوذ عن الفهم الصحيح. ومن الواضح أن المتطرفين لا يُصغون دائمًا لهذه الحكمة وهذه القراءات المعتدلة للقرآن والسنة، لأنهم في الغالب يسعون لتحقيق أهداف سياسية أو مادية تُبرر عندهم كل أشكال التوظيف. ومع ذلك، لا بد من مواصلة هذا العمل، على الأقل من أجل تذكير العالم ونفوسنا برسالة ديننا الأساسية، وهي رسالة السلام. الرد الأمني ضروري في بعض الأحيان، وهو من اختصاص الدولة، أما نحن فمهمتنا أن نعمل على القلوب والضمائر

أحد, 01/06/2025 - 15:42