شاب موريتاني يطلق أول "محظرة إلكترونية"

 

في بادرة علمية رائدة تمزج بين عبق التراث وتكنولوجيا العصر، وفي زمن تختصر فيه المسافات على قارعة الأزرار، أطلق الطالب "عبد الله بوياتي الوداني" الذي يدرس في الجامعات الكندية تطبيقا إلكترونيا يحمل اسما لا تخطئه الذاكرة ولا تخونه الروح "محظرتي"، ليكون بذلك أول مشروع رقمي يضع بين أيدي الطلاب والباحثين مكتبة محظرية رقمية شاملة، غرس نابت من تراب "شنقيط"، مورق بأوراق المتون، مزهر بأنفاس العلماء، وأندر الكتب، وجواهر التراث العلمي الشنقيطي، لتعانق "محظرتي" طلاب المحاظر في شتى اصقاع العالم، وتمنحهم وسيلة جديدة لنهل العلم دون أن يركبوا الإبل، أو يتقشفوا تحت أفياء العريش وظلال الطلح، حيث كان الحرف يسير على أقدام الورع، و"اقباد" يتوضأ قبل أن يتلى.

ويأتي هذا التطبيق الثوري في وقت تتسارع فيه الرقمنة، ليعيد المحظرة الموريتانية — التي لطالما كانت منارات إشعاع علمي في الصحراء الكبرى — إلى الصدارة، ولكن هذه المرة عبر شاشات الهواتف الذكية وأجهزة الحاسوب المحمولة.

"محظرتي"... مكتبة رقمية بطابع شنقيطي أصيل
يضم التطبيق مكتبة غنية تضم بين أركانها أعظم ما جادت به قرائح الشناقطة من متون في اللغة العربية وآدابها، أصول الفقه وفروعه، علوم القرآن وتفسيره، التاريخ والسير، ومخطوطاتٍ نادرة ما زالت تتكئ على رفوف العزلة في قلب الصحراء تنتظر أن تبعث من جديد.

هذا بالإضافة لموقع إلكتروني، متكامل يحمل الاسم نفسه، يعانق التطبيق في وظيفة توأمية، حيث يتكاملان في خدمة الباحث، يمكنانه من البحث، التصفح، القراءة، الحفظ، والتأمل... وكأنك تجلس إلى شيخك، وتدون درسك، وتراجع محفوظاتك، هكذا بأزرار ناعمة، تستعيد "محظرتي" أصوات الشيوخ وهم يلقنون طلابهم بأسلوب الإملاء، وتدوي بصمت عجيب تلك الأسئلة التي كانت تطرح في حلقات "السنة والبدعة"، و"النية والقصد"، و"المسائل النادرة" والفتاوى والنوازل، التي كانت تضيء الليالي في زوايا ولاته، وشنقيط، ووادان، وتيشيت، وكأنك في مجلس الإمام بداه، أو في حلقة محمد سالم بن عدود، أو في دروس سيدي عبد الله بن الحاج إبراهيم.

وقد أشاد عدد من المهتمين والمثقفين بهذه الخطوة، مؤكدين أنها تعكس وعيا متقدما لدى الشباب الموريتاني، الذي بات يستخدم أدوات العصر لخدمة تاريخه العلمي وصيانة هويته الثقافية.

أربعاء, 11/06/2025 - 15:12