
شهدت مباني وزارة الصحة في العاصمة نواكشوط، اليوم الأربعاء 06 أغسطس 2025، اجتماعا موسعا ترأسه وزراء الصحة، التحول الرقمي، والميزانية، خُصص لمناقشة الاستراتيجية الوطنية للإصلاح الاستشفائي.
الاجتماع لم يكن مجرد لقاء إداري عابر، بل شكل محطة سياسية ومؤسسية تعكس إدراك الحكومة أن أزمة المستشفيات الوطنية ليست تقنية فقط، بل هي قضية متعددة الأبعاد تمس حياة المواطنين وثقتهم في الدولة.
وخلال السنوات الأخيرة، وبتوجيهات من فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني، انصبت جهود الحكومة على رفع التحديات التي يعانيها القطاع الصحي، وعلى رأسها ضعف البنية التحتية، نقص الكادر البشري، صعوبة الولوج للعلاج، وتفاوت الخدمات بين العاصمة والولايات الداخلية.
وقد أبرزت جائحة كورونا حجم التحديات التي تعانيها المنظومة الصحية، رغم نجاحها في تطويق الجائحة وتقليل الخسائر البشرية الناتجة عنها، ما جعل الإصلاح مطلبا وطنيا عاجلا، وفتح الباب أمام التفكير في رؤية شاملة تتجاوز الحلول الترقيعية.
لقد شخصت العروض الفنية المقدمة خلال الاجتماع بدقة أوجه القصور، ويمكن تلخيصها في خمسة محاور رئيسية:
1. الموارد البشرية: سوء توزيع الأطباء والممرضين، حيث يتركز معظمهم في العاصمة، مقابل عجز واضح في المستشفيات الجهوية.
2. أنماط التسيير: الاعتماد على أساليب تقليدية تفتقر لآليات تقييم الأداء والمتابعة.
3. التمويل: محدودية مخصصات الصحة، وغياب نظام تمويل فعال للعلاجات، مما يجعل المواطن يتحمل العبء الأكبر من التكلفة.
4. الرقمنة وأنظمة المعلومات: غياب قاعدة بيانات موحدة وفعالة حول المرضى والخدمات، ما يضعف التخطيط الاستراتيجي.
5. التنسيق المؤسسي: تداخل الأدوار بين وزارة الصحة وصندوق التأمين الصحي والمستشفيات، وضعف التنسيق بين مختلف المتدخلين.
لقد عكس حضور وزراء من قطاعات مختلفة إدراك الحكومة أن الإصلاح الصحي يتجاوز وزارة الصحة وحدها، حيث أن وزير التحول الرقمي يترجم الرهان على الرقمنة باعتبارها مدخلا لتحسين الكفاءة، وضمان الشفافية في التسيير، وضبط الموارد البشرية والمادية، بينما يعكس وزير الميزانية مركزية البعد المالي في الإصلاح، حيث لا يمكن تطوير المستشفيات دون إعادة هيكلة التمويل وتوسيع مظلة التأمين الصحي.. أما وزير الصحة: فهو القائد الفعلي للملف والمحرك الفعلي لعجلة تنزيل تعهدات الرئيس في المجال الصحي، لكنه بحاجة إلى دعم القطاعات الأخرى لتجاوز التحديات البنيوية المتراكمة.
ويعطي هذا التنسيق الثلاثي الانطباع بأن الدولة بصدد اعتماد مقاربة حكومية شاملة، لا مجرد مبادرات قطاعية محدودة.
ويرى المراقبون أنه إذا ما تم تنفيذ الاستراتيجية بجدية، وهو ما يتوقعونه، يمكن أن تحقق عدة أهداف استراتيجية، كتحسين ثقة المواطنين في المستشفيات العمومية، وتقليص التفاوت الجهوي عبر توزيع عادل للكادر الطبي والتجهيزات، وكذلك ترشيد الإنفاق الصحي عبر أنظمة معلومات دقيقة، فضلا عن تعزيز الشراكة الدولية، حيث يمكن لموريتانيا أن تجذب تمويلات أكبر إذا قدمت رؤية إصلاحية واضحة.
ويعتبر الاجتماع الوزاري حول الاستراتيجية الوطنية للإصلاح الاستشفائي خطوة مفصلية تؤشر إلى أن الدولة تعي حجم الأزمة الصحية وتستعد للتعامل معها بمنظور شامل، وهو ما من شأنه أن يحدث تحولا ملموسا في تجربة المواطن داخل المستشفيات، من استقبال كريم، إلى علاج فعال، إلى تكلفة معقولة.
وبفضل هذه الاستراتيجية الواعدة، سيجد المريض في نواكشوط وفي مختلف جهات الوطن نفس مستوى الخدمة، وستتحول المستشفيات العمومية إلى فضاء ثقة وأمل بدل أن تكون ملاذاً أخيراً في رحلة بحث مضنية عن العلاج.
وكالة الوئام الوطني للأنباء


.jpg)
.gif)
.png)
.jpg)
.gif)


.jpg)

.jpg)