حدث وتعليق/ "تعمير.. مدن تآزر".. خطوة استراتيجية لتشكيل الوعي الوطني وترسيخ قيم الجمهورية

في محطة تجميع قرى بولحراث بولاية لعصابة، أطلقت المندوبية العامة للتضامن الوطني ومكافحة الإقصاء "التآزر" بقيادة المندوب العام السيد الشيخ ولد بدّ، مبادرة جديدة ضمن برنامجها الطموح "تعمير.. مدن تآزر"، تحمل أبعادا استراتيجية تتجاوز المساعدات الآنية لتلامس عمق التحول الاجتماعي والثقافي في المناطق الهشة.

الخطوة الأبرز تمثلت في تنظيم محاضرات فكرية توعوية، من بينها، على سبيل المثال لا الحصر، مداخلة وازنة للصحفي والفاعل الجمعوي عبيد إميجن تحت عنوان: "التنمية المحلية ودورها في محاربة التقري العشوائي وترسيخ قيم المدرسة الجمهورية". عنوان لم يكن مجرد شعار، بل يعكس فهما عميقا للتحديات البنيوية التي تواجه النسيج الاجتماعي والوطني في موريتانيا.

ومن خلال هذه المحاضرات، يتضح أن "التآزر" لا تكتفي بالبنية التحتية أو التدخلات الاجتماعية الكلاسيكية، بل تسعى إلى خلق وعي جماعي جديد، يُقوّض منطق التقري العشوائي ويُعلي من شأن التوطين المنظم، باعتباره ركيزة أساسية للتنمية المستدامة. فمشكلة التقري العشوائي ليست مجرد توزيع غير عادل للسكان، بل هي أيضا تحدٍ لوجستي، وتعليمي، واقتصادي، وأمني، يُضعف من فرص الدولة في توفير الخدمات وتحقيق العدالة المجالية.

لا تقل أهمية الطرح المتعلق بترسيخ قيم المدرسة الجمهورية عن أهمية محاربة التقري العشوائي، فالتعليم الموحد والعادل هو ما يضمن بناء مجتمع متماسك ومتساوٍ في الفرص.

إن ما دعا إليه الأستاذ عبيد إميجن ينسجم تماما مع رؤية وطنية أشمل تهدف إلى القضاء على التفاوت، وترسيخ قيم الجمهورية التي تتجاوز الجهوية والعرقية، وتُعلي من قيمة الإنسان المواطن، بغضّ النظر عن انتمائه أو خلفيته.

ما يلفت الانتباه في محطة بولحراث هو الحضور النوعي والوازن لشخصيات وطنية مرموقة من مشارب فكرية وسياسية متنوعة، أمثال العمدة العميد بيجل ولد هميد ومحمد غلام ، والعمدة أحمد سالم ولد احمين أعمر، والأستاذ بلال ولد الديك، والدكتور السعد لوليد، والناشطة الجمعوية النوها محمد صالح وإنكيدي ألاسان . 

هذا التنوع من الحضور والمشاركة يكرّس توجها جديدا في العمل التنموي، يجعل من الوحدة الوطنية ركيزةً لأي مشروع إصلاحي، ويفتح المجال أمام نقاش تعددي بنّاء يخدم الهدف المشترك: بناء موريتانيا موحّدة ومتضامنة.

إن تنقل قادة سياسيون وصحفيون وفاعلون جمعويون إلى مدينة باركيول ضمن بعثة "تعمير مدن التآزر"، يعكس جدية البرنامج ورغبته في إشراك النخب المحلية والوطنية في معركة تشكيل الوعي.

إنها رسالة واضحة مفادها أن التنمية ليست فقط مشاريع بنى تحتية، بل هي أيضا معركة فكر وقيم وتواصل.

إن ما تقوم به المندوبية العامة "التآزر" اليوم ليس مجرد نشاط موسمي، بل هو تحول نوعي يجب تثمينه وتوسيعه.

فربط التنمية المحلية بمحاربة التقري العشوائي، وترسيخ قيم المدرسة الجمهورية، ومأسسة الحوار بين النخب والسكان، هو السبيل الأنجع لتحقيق دولة المواطنة.

إن نجاح هذه الخطوة يتطلب استمرارية سياسية ومجتمعية، وأيضا، دعما إعلاميا يُبرز أهميتها ويُساند توجهاتها، حتى لا تظل جهود "التآزر" مجرد ومضات، بل تتحول إلى مسار إصلاحي طويل الأمد، يعيد رسم خارطة التنمية في البلاد على أسس جامعة عادلة وموحدة.

 

وكالة الوئام الوطني للأنباء

 

اثنين, 22/09/2025 - 02:00