حدث وتعليق/ الخطاب التحريضي ومقتضيات السيادة.. قراءة في ما بعد جولة بيرام الأوروبية

الوئام الوطني :منذ عودة النائب البرلماني والمرشح الرئاسي السابق بيرام ولد الداه ولد اعبيد من جولته الأوروبية الأخيرة، دخل الخطاب السياسي في موريتانيا مرحلة توتر لافت، لا سيما بعد التصريحات النارية التي أطلقها خارج البلاد، وأعاد تكرارها في الداخل بشكل شبه يومي، في ما بدا أنه حملة منظمة تستهدف البنية الاجتماعية والسياسية للبلد، وتفتح أبواب التأزيم على مصراعيها.

لقد أثارت تلك التصريحات، التي شبّه فيها بعض الأوضاع في موريتانيا بنظام "الآبارتايد" الذي عرفته جنوب إفريقيا في فترة الفصل العنصري، صدمة لدى كثير من المراقبين، الذين رأوا فيها تجاوزا للثوابت الوطنية، واستغلالا لملفات حساسة كقضايا العرق والهجرة والهوية، في معركة سياسية لا تخلو من شعبوية ومخاطرة.

ومن اللافت أن الخطاب المتشدد الذي تبناه بيرام وأعاد تصديره إلى الداخل، ترافق مع تصاعد نبرة التخوين والتحريض من قبل بعض المتحاملين على الدولة، الذين لا يتورعون عن تشويه صورة موريتانيا أمام الرأي العام الدولي، ومحاولة اللعب على وتر "التمييز العنصري"، في حين أن الواقع يثبت عكس تلك المزاعم.

المسألة الأخطر في هذا السياق، هي محاولة بعض الأطراف توظيف قضايا الهجرة والمواطنة والعدالة الاجتماعية، وقلبها إلى أدوات للصراع السياسي، حتى وإن أدى ذلك إلى زعزعة الثقة في المؤسسات الوطنية، وخلق حالة من الاستقطاب والانقسام داخل المجتمع.

وفي خضم هذا التصعيد، وجد وزير الداخلية واللامركزية، السيد محمد ولد محمد الأمين، نفسه في قلب عاصفة سياسية مفتعلة، بعد الإجراءات التنظيمية التي اتخذها لضبط ملف الهجرة غير النظامية، والتي شملت فرض الحصول على بطاقات الإقامة، وتسجيل البصمات، وترحيل المخالفين.

ورغم أن هذه الإجراءات تنسجم مع القانون، وتعكس سيادة الدولة وحرصها على حفظ الأمن والنظام، إلا أن بعض الأطراف صورتها على أنها استهداف لمكون معين، في محاولة لصرف الأنظار عن الغاية الحقيقية منها، والمتمثلة في تنظيم الوضع القانوني للأجانب، ومكافحة الاتجار بالبشر.

إن الحملة التي تستهدف وزير الداخلية تكشف عن ازدواجية في الخطاب السياسي لدى البعض: فمن جهة، يطالبون بتطبيق القانون، ومن جهة أخرى، يهاجمون كل من يطبقه حين تمسهم نتائجه، حتى وإن كانت لصالح الأمن القومي ووحدة المجتمع.

لقد أظهر السيد محمد ولد محمد الأمين أنه رجل دولة من طراز رصين، يتحرك ضمن منطق القانون، ويحرص على حفظ توازن حساس بين احترام حقوق الإنسان وضمان أمن الدولة. ولذلك، فإن استهدافه ليس سوى محاولة لضرب أحد أعمدة الاستقرار في الظرف الراهن، عبر استثمار ملفات شائكة لتحقيق مكاسب سياسية آنية.

فالوزير لم يستهدف مكونا بعينه، بل تعامل مع ملف الهجرة كظاهرة تحتاج إلى تنظيم، لا إلى تسييس.

ومهما تكن طبيعة الضغوط، فإن الدولة مطالبة بالاستمرار في مثل هذه الإجراءات، حماية للوطن، وصونا للنسيج الاجتماعي من أي اختراق أو انفلات.

إن المعادلة التي تواجهها موريتانيا اليوم دقيقة ومعقدة، بين من يسعى لبناء دولة القانون، وبين من يوظف الملفات الاجتماعية الحساسة كأدوات لزعزعة الاستقرار.

وفي هذا السياق، تبدو الحاجة ملحة لتعزيز خطاب الوحدة، وتحصين الشباب ضد دعايات الكراهية، وعدم الانجرار وراء دعاة الفتنة، أيا كانت خلفياتهم أو شعاراتهم.

وفي النهاية، تبقى الدولة مسؤولة عن فرض القانون، والدفاع عن صورتها في الداخل والخارج، دون مجاملة لأحد، ودون تهاون مع من يحاول المتاجرة بأزمات المجتمع لتحقيق طموحاته الشخصية.

 

وكالة الوئام الوطني للأنباء

 

خميس, 25/09/2025 - 17:17