
الوئام الوطني : في لحظة رمزية حملت دلالاتٍ عميقة، اختار فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني أن يوجه خطابا حازما من قلب المدرسة الوطنية للإدارة والصحافة والقضاء، منبع تكوين النخب الإدارية والقضائية والإعلامية، ليجدد التأكيد على أن الحرب على الفساد ليست شعارا ظرفيا، بل نهج دولة وخيار لا رجعة فيه.
فمنذ توليه السلطة، قبل ستة أعوام، ربط الرئيس الغزواني بين الإصلاح المؤسسي والتنمية المستدامة من جهة، ومكافحة الفساد وترسيخ الشفافية من جهة أخرى. فعبارته الحاسمة «لا تنمية مع الفساد» تختزل فلسفة الحكم التي يسير وفقها، إذ أن كل الموارد، مهما كانت وفرتها، تفقد معناها حين تتسرب عبر قنوات الفساد وسوء التسيير.
وقد جاء هذا التأكيد في سياق وطني ودولي يتزايد فيه الوعي بأن الشفافية والمساءلة ليستا فقط أدوات للمحاسبة، بل أيضا محركات أساسية لجذب الاستثمار وتعزيز الثقة في مؤسسات الدولة. فالدول التي تكسب معركة النزاهة، هي ذاتها التي تنجح في بناء اقتصاد قوي ومجتمع متوازن.
إن إحدى النقاط الأكثر لفتا للانتباه في خطاب الرئيس كانت تأكيده الواضح بأن لا أحد فوق القانون، وأن الحكومة ملزمة بتطبيق توصيات أجهزة الرقابة والتفتيش دون استثناء.
هذا الالتزام السياسي الواضح يعني أن مرحلة “التغاضي” أو “الانتقائية” قد ولّت، لتحل محلها مرحلة المساءلة الشاملة، حيث يُحاسب المتورط مهما كان موقعه أو نفوذه.
ويبدو أن هذا التوجه يجد ترجمته العملية في تعزيز صلاحيات أجهزة الرقابة مثل المفتشية العامة للدولة، ومحكمة الحسابات، والهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، التي بدأت تشهد استقلالية متزايدة في عملها، ما يمنحها القدرة على كشف التجاوزات ومتابعة الملفات إلى نهايتها القانونية.
وحين يقول الرئيس: «وليثق الجميع بأن الشفافية والمساءلة ستظلان في صميم أولوياتنا»، فهو لا يوجه خطابا إلى الإدارة فحسب، بل إلى المجتمع بأسره، إداريين، إعلاميين، قضاة ومواطنين.
فبناء ثقافة وطنية تقوم على الشفافية يعني إشراك الجميع في صون المال العام، وتحويل الرقابة من مهمة رسمية إلى سلوك مجتمعي.
ومن اللافت أن الخطاب أُلقي أمام خريجي المدرسة الوطنية للإدارة والصحافة والقضاء، وهو ما يشكل رسالة رمزية قوية، فالإصلاح الإداري، والنزاهة القضائية، والإعلام المسؤول، هي الأعمدة الثلاثة التي تنهض عليها دولة العدالة والمساءلة.
وخلال السنوات الأخيرة، أطلقت السلطات الموريتانية سلسلة من الإصلاحات البنيوية في مجالات التسيير المالي والإداري، مثل رقمنة المعاملات، ومراجعة آليات الصفقات العمومية، وتفعيل أدوات المتابعة والمراجعة الدورية.
وتأتي هذه الإصلاحات في سياق رؤية الرئيس الغزواني لبناء إدارة فعالة نظيفة، تضع المواطن في صدارة الاهتمام.
إن الحديث عن “صون الموارد العمومية” ليس حديثا عن المال فقط، بل عن استعادة ثقة المواطن في الدولة، وهي الثقة التي لا تُبنى إلا حين يرى المواطن أن المال العام مصان، وأن المفسدين لا يفلتون من العقاب.
لقد تعود المواطن العربي في كثير من البلدان على سماع خطابات مكافحة الفساد دون أن يرى نتائج ملموسة، لكن في الحالة الموريتانية بدأ يتشكل نمط جديد من التعاطي مع هذا الملف، يقوم على المتابعة القانونية الدقيقة، والصرامة في تطبيق التوصيات الرقابية، ورفع الغطاء عن كل من يثبت تورطه، مهما كانت مكانته.
ولذلك فإن خطاب الرئيس الأخير لا يُقرأ كإعلان نوايا، بل كتجديد عهد بمواصلة مسار بدأ منذ سنوات، ويتجه نحو ترسيخ دولة المؤسسات والعدل، حيث تكون المحاسبة قاعدة لا استثناء.
ومن الواضح أن الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني يسعى إلى بناء نموذج وطني في الحكم الرشيد، يقوم على ركائز الصرامة في مواجهة الفساد، والشفافية في التسيير العمومي، فضلا عن استقلالية حقيقية لمؤسسات الرقابة والقضاء.
هذا النهج لا يهدف فقط إلى حماية المال العام، بل إلى إعادة تأسيس العلاقة بين الدولة والمواطن على قاعدة الثقة والمسؤولية المشتركة.
إن الحرب على الفساد، كما أكد فخامة الرئيس، ليست معركة مؤقتة، بل خيار وجودي لضمان تنمية حقيقية ومستقبل مزدهر لموريتانيا، ينعم فيه المواطنون اليوم والأجيال اللاحقة بخيرات بلدهم في جو تطبعه الكرامة والاطمئنان على المستقبل.
وكالة الوئام الوطني للأنباء


.jpg)
.gif)
.png)
.jpg)
.gif)


.jpg)

.jpg)