المغرب وحقوق الإنسان.. إشادة غوتيريش تأكيد لمصداقية اختيارات المملكة/ إسماعيل الرباني*

شكّل التقرير الأخير الذي قدمه الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، إلى مجلس الأمن الدولي حول الصحراء المغربية، محطة دالة ليس فقط على مستوى تقييم الوضع الحقوقي في الأقاليم الجنوبية، بل أيضا على مستوى تثبيت موقع المغرب داخل المنظومة الأممية كدولة تعتمد خيار الشراكة والتعاون والانفتاح.

فالإشادة الصريحة بالتفاعل المغربي الإيجابي مع آليات حقوق الإنسان الأممية، لا يمكن قراءتها بمعزل عن مسار طويل من بناء المؤسسات الوطنية، وإرساء سياسات عمومية تُوازن بين ضرورات التنمية والحريات الأساسية، وبين مقتضيات التسيير الترابي وتدبير الخصوصيات المحلية.

فحين يشير تقرير الأمين العام إلى التعاون المتميز بين المغرب ومختلف الآليات الأممية لحقوق الإنسان، فهو يعترف، بشكل مباشر، بأن المملكة لا تتعامل مع حقوق الإنسان كملف دفاعي أو ورقة ضغط خارجية، بل كجزء من خيارات الدولة وإصلاحاتها. ويبرز التقرير، في هذا السياق، الرسائل الرسمية المغربية الموجهة إلى مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، في يونيو ويوليو 2025، باعتبارها تعبيرا عن حوار قائم على الإرادة السياسية وليس على ردة الفعل.

هذا المعطى مهم، لأن قضية حقوق الإنسان ظلت إحدى القضايا التي يحاول خصوم الوحدة الترابية للمملكة استثمارها لتغذية روايات تناقض الوقائع.

غير أن مسار التعاون المستمر، واستقبال المكلفين بولايات أممية، بمن فيهم أولئك الذين زاروا الصحراء المغربية، يضع الخطاب الدعائي أمام امتحان الحقائق الميدانية.

ومن بين النقاط المركزية في التقرير الأممي، تأكيده أن المغرب هو البلد الذي استقبل أكبر عدد من زيارات الإجراءات الخاصة لحقوق الإنسان في المنطقة.

هذه الحقيقة لها دلالة مزدوجة، أولها نفي الادعاءات التي تزعم انغلاق الأقاليم الجنوبية، وثانيها إبراز ثقة المغرب في البنيات المؤسساتية المحلية.

هنا يبرز دور المجلس الوطني لحقوق الإنسان عبر لجنتيه الجهويتين في العيون والداخلة، اللتين تقومان بعمل ميداني مباشر يشمل معالجة الشكايات والتظلمات، وكذلك الوساطة وتقريب الحق من المواطن، فضلا عن المتابعة المستمرة لوضعية الحريات.

وبذلك تتحول المؤسسات الحقوقية من هياكل تقريرية إلى فاعل ترابي حقيقي يسهم في تعزيز الاستقرار الاجتماعي وتكريس ثقافة المشاركة المواطنة.

لم يكتف المغرب بالتفاعل الإجرائي فقط، بل انخرط في ديناميكية حوار مع مسؤولي منظومة الأمم المتحدة. وهذا يعني أن مقاربة المغرب لملف حقوق الإنسان ليست قطاعية أو تجميلية، بل شاملة وممتدة لتشمل الحقوق المدنية والسياسية، والحقوق الاقتصادية والاجتماعية، وحقوق المرأة والطفل والأشخاص في وضعية هشاشة، بالإضافة إلى الحق في التنمية والعدالة المجالية.

وهو ما يضع الأقاليم الجنوبية للمملكة ضمن سياسة وطنية واحدة، تضمن نفس المعايير ونفس الحماية.

إن الإقرار الأممي بدور المغرب كفاعل مسؤول وذي مصداقية داخل المنظومة متعددة الأطراف، ليس مجرد توصيف بروتوكولي. بل هو اعتراف بدولة  تملك رؤية واضحة لحقوق الإنسان، وتبني مؤسسات قائمة على الحوار والمحاسبة، وتشتغل على تجديد نموذجها التنموي وخاصة في الصحراء، كما أنها تربط بين التنمية والحريات باعتبارهما وجهين لحداثة سياسية متوازنة.

وهذه العناصر تمنح المغرب قوة تفاوضية ثابتة في ملف الصحراء، لأنها تبني سردية تستند على معطيات الواقع لا على الخطاب.

إن إشادة الأمين العام للأمم المتحدة ليست حدثا معزولا، بل هي تتويج لمسار إصلاحي طويل، وتثبيت لواقع يتطور باستمرار داخل الأقاليم الجنوبية. كما هي رسالة واضحة إلى المنتظم الدولي بأن المغرب لا يعالج قضايا حقوق الإنسان من زاوية التجاذبات، بل من زاوية البناء المؤسساتي والمصالحة مع المستقبل.

وبذلك تعزز المملكة موقعها كمرجع إقليمي في إدارة التحولات الحقوقية والتنموية، وباعتبارها نموذجا يستفيد من عمقه التاريخي والدستوري ويجدد أدواته باستمرار، ضمن رؤية دولة حديثة وواثقة من اختياراتها المدئية والمسؤولة. 

 

*- المدير الناشر لوكالة الوئام الوطني للأنباء

 

اثنين, 27/10/2025 - 16:43