افتتاحية/ الدبلوماسية الموريتانية في عهد الرئيس الغزواني.. حضور هادئ ومميز ومكاسب متصاعدة

الوئام الوطني : منذ وصوله إلى سدة الحكم مطلع أغسطس 2019، رسم فخامة رئيس الجمهورية، السيد محمد ولد الشيخ الغزواني، ملامح سياسة خارجية جديدة، تتسم بالهدوء والانفتاح، وتعتمد على التوازن والشراكات المتعددة. وقد أسهم هذا النهج في تعزيز موقع موريتانيا الإقليمي والدولي، وأعاد الزخم إلى دبلوماسيتها التي باتت تحظى باحترام متزايد في مختلف المحافل الدولية.

في ظرف إقليمي شديد التعقيد، استطاع الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني أن يُقدّم موريتانيا بوصفها نقطة توازن واستقرار في منطقة الساحل، ما منحها دورًا محوريًا في قضايا الأمن ومكافحة الإرهاب والهجرة، وأكسبها ثقة الشركاء الأوروبيين والدوليين، خاصة في وقت تتراجع فيه أدوار بعض القوى التقليدية في المنطقة.

ولم يقتصر الحضور الدبلوماسي لموريتانيا على الملفات الأمنية فحسب، بل شهدت علاقاتها الثنائية تطورًا ملحوظًا مع دول الجوار مثل المغرب، الجزائر، السنغال ومالي، حيث أُبرمت اتفاقيات تعاون وتنسيق في مجالات الاقتصاد والأمن والعبور. كما عرفت علاقاتها العربية والخليجية دفعة قوية، تمثلت في دعم مباشر من السعودية والإمارات وقطر والكويت، إلى جانب شراكات متنامية مع تركيا في مجالات التعليم والبنية التحتية.

وعلى المستوى الاقتصادي، أفرز هذا التوجه مكاسب دبلوماسية واضحة، من أبرزها توقيع اتفاقيات تمويل وتنمية مع مؤسسات دولية كالبنك الدولي والصناديق الخليجية، فضلًا عن تزايد اهتمام المستثمرين الدوليين بثروات موريتانيا في مجالات الغاز والتعدين والصيد.

ويجمع المراقبون على أن الرئيس الغزواني قدّم نموذجًا في الدبلوماسية المتزنة والهادئة، حيث التزم خطابًا عقلانيًا يجنّب البلاد التورط في الاستقطابات الإقليمية، ويؤسس لصورة دولة تحترم التزاماتها وتسعى للحلول السلمية في محيطها.

كما أن رئاسته لمجموعة دول الساحل وكذا رئاسته للاتحاد الإفريقي عكستا حجم الثقة التي باتت تحظى بها موريتانيا في دوائر القرار الإفريقي والدولي، وهو ما أثمر مؤخرا انتخاب الإطار الموريتاني الكفء، الدكتور سيدي ولد التاه، رئيسا للبنك الإفريقي للتنمية BAD.

في ظل هذا المسار، تبدو الدبلوماسية الموريتانية في عهد الرئيس الغزواني أقرب إلى سياسة القوة الناعمة، التي توظف الثقة والمصداقية والاستقرار لجذب الدعم والمصالح، بعيدًا عن الشعارات والتصعيد.

ومع استمرار هذا النهج، تبدو موريتانيا مرشحة للعب أدوار أكثر تأثيرًا في محيطها الإقليمي والدولي خلال السنوات المقبلة.

لقد بلغت نجاحات النظام الموريتاني الدبلوماسية ذروتها، خلال لقاء، عُقد اليوم على هامش قمة مصغّرة ضمت قادة خمس دول غرب إفريقية (موريتانيا،السنغال، ليبيريا، الغابون، غينيا بيساو) في البيت الأبيض، مع الأمريكي دونالد ترامب، بهدف تعزيز العلاقات الاقتصادية والأمنية، وذلك ضمن استراتيجية واشنطن الجديدة بالتحول من نموذج المساعدة إلى التجارة.

وتبرز أهمية اللقاء في كونه يعتبر تحوّلا استراتيجيا في العلاقات، بعد أن أعلن ترامب حل الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية USAID والتركيز على الشراكات التجارية المباشرة بدلًا من النماذج الخيرية، مع إبراز ثروات إفريقيا الطبيعية كقاعدة للعلاقات الجديدة.

وضمن هذا السياق، باتت موريتانيا شريكًا مهمًا، بفضل مواردها من الحديد، الأسماك والغاز، وقربها الاستراتيجي من الساحل الأطلسي وطرق الهجرة. 

 وخلال اللقاء لفتت كلمة الرئيس الغزواني انتباه وسائل الإعلام والمراقبين، كما نالت إعجاب الحضور، وعلى رأسهم الرئيس اترامب، الذي لم يتمالك نفسه للتعبير عن ذلك الإعجاب بالقول تارة وبالإيماء تارة أخرى، قبل أن يصف الضيف الموريتاني بأنه “رجل رائع”، مشيدًا بحكمته ووضوحه.

لقد اعتبر الرئيس الغزواني أن الدعوة تمثّل “رسالة إيجابية عن اهتمام الولايات المتحدة بأفريقيا”، مرحّبًا بجهود ترامب في إحلال السلام في العديد من الملفات العالمية، ومنبها إلى دور موريتانيا في السلام والاستقرار.

وأشار ولد الشيخ الغزواني إلى مساهمة الإدارة الأمريكية الحالية في تسوية النزاعات، مشددا على أهمية إيجاد حل عادل للقضية الفلسطينية، ووضع حد للأزمة في قطاع غزة.

ونبه الرئيس الغزواني إلى أهمية موقع موريتانيا الاستراتيجي على ساحل الأطلسي كنقطة وصل بين إفريقيا وشمال إفريقيا، موضحًا أنها ثاني أكبر منتج للحديد في القارة، وتمتلك ثروة بحرية غنية، ومؤكدًا أنها بيئة جاذبة للاستثمار الأمريكي.

وبيّن ولد الشيخ الغزواني أن موريتانيا ملتزمة بالسلام والانفتاح، وتتطلع إلى شراكة “اقتصادية واستراتيجية متينة” مع الولايات المتحدة. 

لقد تحدث الرئيس الغزواني عن موريتانيا بلغة هادئة وواثقة، مؤكدًا أن بلده لا ينتظر المعونات، بل هو شريك يمتلك مواردا وموقعًا استراتيجيًا يجعله وجهة جاذبة للاستثمار.. وبذلك يكون قد أوصل رسالة قوية مفادها أن موريتانيا بلد غني بالإمكانات، وأنه مستعد للتعاون النديّ مع شركائه الدوليين، وليس مجرد متلقٍ للمساعدات. 

ولئن كانت كلمة ولد الشيخ الغزواني قد نالت الإعجاب داخل أروقة البيت الأبيض ولدى المحللين والمتابعين، فقد أحرزت تثمينا نادرا من قبل المعارضين في الداخل، والذين اعتبروا الزيارة مكسبا للرئيس على المستوى الشخصي، وللبلد برمته.

أما المراقبون، فقد رأوا أن زيارة ولد الشيخ الغزواني للبيت الأبيض وكلمته خلال لقاء الرئيس ترامب ستفتح الباب أمام المستثمرين والشركات الأمريكية للنظر إلى موريتانيا كبيئة واعدة. وقد يُترجم اللقاء في شراكات اقتصادية مباشرة، أو دعم مالي وتقني في مجالات الطاقة، البنى التحتية، التكنولوجيا، والتعليم.. بل إن بعضهم ذهب إلى القول بوجوب تخصيص استقبال جماهيري حاشد للرئيس القائد عند عودته إلى أرض الوطن.. فرحا بما حقق خلال اللقاء، وبما ستحققه نتائج الزيارة من تأثير إيجابي على اقتصاد البلد.

 

وكالة الوئام الوطني للأنباء

 

خميس, 10/07/2025 - 00:54