وقفة مع المتفوقين: حين تتحول التهاني إلى فعل وموقف

...

عشية الإعلان عن نتائج الباكلوريا، حين كانت عيون الطلاب متشبثة بالشاشات، وقلوب الأسر معلقة بمصير عام دراسي كامل، وقفت أمام الأرقام لا كمجرد متابع، بل كمواطن يرى في نجاح أبنائه إشارات مضيئة على طريق المستقبل.

بين تفاصيل اللوائح، لفتني بروز أسماء من أبناء المقاطعة، تفوقوا، وتميزوا، وارتقوا إلى مصافّ المتفوقين وطنيًا. 

لم يكن ذلك مدعاة للفخر فحسب، بل كان أيضًا لحظة صامتة تساءلتُ فيها؛ كيف ينبغي أن نقرأ هذا الإنجاز؟ وكيف نردّ على هذا الاجتهاد بما يليق به، لا بما تعوّدنا من عبارات عابرة؟

من هذه اللحظة ولدت الفكرة، عفوية في انبثاقها، لكنها عميقة في مغزاها، أن تتحول التهنئة إلى فعل، وأن يُترجم الفخر بمبادرة، وأن لا يُكتفى بالتصفيق عن بُعد، بل يكون الحضور من قلب البيوت، ومن بين الأهل.

وهكذا، كانت زياراتي لهؤلاء المتفوقين، لا بروتوكول فيها ولا تكلف، مجرد وقفة رمزية بين أهليهم، تُعيد للنجاح مكانته، وللتقدير قيمته، وتُجسد فكرة المسؤول الذي يذهب إلى المواطن، لا ينتظر أن يُستقبل في منصة أو يُصفق له من جمهور.

فضلتُ هذا الخيار على أي فعالية مركزية قد تُرهق بعض الأسر وتُغيب البعض الآخر، اخترت القرب بدل الحشود، والرمزية بدل الاستعراض، وكان الأثر أبلغ من التوقع.

لقد لمستُ في وجوه التلاميذ وذويهم إحساسًا لا يُشترى، شعورًا بأن أحدًا قد انتبه، بأن هذا الجهد لم يضِيع في زحام المناسبات، وأن وراء هذا الباب المفتوح تقديرًا صادقًا واعترافًا بجميل الكفاح.

وما لبثت المبادرة أن غادرت إطارها الأول، لتصبح حدثا عامًا، ومجالا لاهتمام عدد كبير من الإعلاميين والمدونين وأبناء الولاية من كل المشارب، بل من خارجها. 

رسائل، واتصالات، واقتراحات، وأسماء جديدة تُطرح للتكريم.. لقد أصبحت الفكرة ملكًا جماعيًا، واحتفاءً واسع الدلالة.

ولأن الأصل في المبادرات أن تتطور، فإن هذا التكريم لن يبقى حدثًا معزولًا، بل سيكون نواة مشروع مستدام، أكثر شمولًا وعدلًا، نحرص فيه على أن يكون لكل مجتهد من أبناء المقاطعة نصيب من التقدير، ولكل قصة كفاح منصة تُروى منها.

إن اهتمامي بالتعليم لم يكن وليد ظرف، بل هو امتداد لقناعة مترسخة بأن التعليم هو الجدار الحامل لكل أحلام التنمية، وهو إهم مرتكزات التوجه العام لقائد مسيرة البلاد، وهو اللبنة الأولى في بناء وطن لا يُهزم من داخله، مهما اشتدت التحديات.

إن تكريم المتفوقين، وإن بدا رمزيًا، هو في جوهره إعلان موقف؛ موقف من العلم، ومن العدالة، ومن الجدارة، ومن المستقبل.

نحن لا نحتفي بأسماء فردية، ولا تهمنا القيمة المادية، فهي ثانوية في نظرنا؛ إنما نكرّم فكرة أن المجتمعات لا تُبنى إلا بأبنائها، ولا تُصان إلا بعقولها، ولا تنهض إلا حين يعرف أبناؤها أن نجاحهم لا يمر دون أثر.

نائب المذرذرة : الداه صهيب

ثلاثاء, 05/08/2025 - 16:44