حدث وتعليق/ موريتانيا وأفريكوم.. دبلوماسية عسكرية برؤية استراتيجية

شهدت مدينة شتوتغارت الألمانية، يوم الجمعة 15 أغسطس 2025، حدثا استثنائيا على مستوى التعاون الدولي في المجال الأمني والعسكري، تمثل في حفل تسليم قيادة أفريكوم (القيادة الأمريكية في إفريقيا) من الجنرال ميشيل لانغلي إلى الجنرال داغفين أندرسن، تحت إشراف الأدميرال كريستوفر غرادي، نائب رئيس هيئة الأركان المشتركة للقوات الأمريكية.

غير أن ما يُلفت الانتباه في هذا الحدث، ليس فقط طقوسه العسكرية البروتوكولية، وإنما الحضور الموريتاني اللافت من خلال مشاركة الفريق محمد فال الرايس، قائد الأركان العامة للجيوش، وهو حضور يحمل في طياته رسائل سياسية واستراتيجية بالغة الدقة والأهمية.

لم يكن حضور القائد العسكري الأول في موريتانيا مجرد مشاركة رمزية في مناسبة دولية، بل حمل دلالات واضحة على أن موريتانيا باتت شريكا موثوقا ومحوريا في جهود الأمن والاستقرار في الساحل الإفريقي. وقد بدا ذلك جليا من خلال اللقاءات التي أجراها الفريق محمد فال الرايس مع عدد من كبار القادة العسكريين الأمريكيين، والتي تناولت سبل تعزيز التعاون الثنائي، خاصة في ملفات ذات حساسية كبرى مثل مكافحة الإرهاب، والتصدي للتهديدات العابرة للحدود، ومحاربة الهجرة غير النظامية.

لقد عبّر المسؤولون العسكريون الأمريكيون، وعلى رأسهم القائد السابق لانغلي والجديد أندرسن، عن تقديرهم العميق لأداء الجيش الموريتاني، وهي إشادة تعكس ليس فقط مهنية القوات المسلحة الموريتانية، بل أيضا مكانتها المتقدمة ضمن المنظومة الأمنية الإفريقية التي تحظى باهتمام أفريكوم.

ويُحسب للمؤسسة العسكرية الموريتانية أنها نجحت، في السنوات الأخيرة، في ترسيخ مقاربة مهنية تنأى بنفسها عن التجاذبات السياسية الداخلية، وتركز على بناء شراكات قوية مع الأطراف الدولية الفاعلة.

وفي هذا الإطار، تُمثل هذه الزيارة إلى مقر "أفريكوم" نموذجا للدبلوماسية العسكرية التي تجمع بين الحضور البروتوكولي والانخراط الاستراتيجي.

فبينما تعاني بعض دول الساحل من اهتزازات أمنية واضطرابات سياسية عميقة، تُقدم موريتانيا نموذجا مختلفا للاستقرار وللإدارة المهنية للملفات الأمنية، وهو ما يجعلها طرفا جاذبا للشراكات الدولية، وخاصة مع واشنطن التي تعيد ترتيب أولوياتها الأمنية في إفريقيا.

زلا شك أن هذا اللقاء الدولي يفتح آفاقا جديدة لموريتانيا على صعيد التعاون العسكري والتقني مع الولايات المتحدة، بما في ذلك برامج التدريب والتجهيز والدعم اللوجستي والاستخباراتي، خاصة في ثقة المراقبين في قدرة نواكشوط على الحفاظ على نهجها الاستراتيجي، وتطويرها المتوازي لمؤسساتها الأمنية والمدنية.

وفي ظل عالم سريع التحول، باتت الشراكات الأمنية تُبنى على الثقة والمهنية والانضباط. ويبدو أن الجيش الموريتاني قد نجح في أن يكون محل هذه الثقة، بفضل سياسة عسكرية متزنة، وانخراط فعّال في جهود حفظ الأمن الإقليمي.

أما مشاركة الفريق محمد فال الرايس في حفل تسليم قيادة أفريكوم، فهي أكثر من مجرد زيارة رسمية.. إنها عنوان لمرحلة جديدة من الدبلوماسية العسكرية الموريتانية، التي بدأت تؤتي أكلها على المسرح الدولي.

 

وكالة الوئام الوطني للأنباء

 

جمعة, 15/08/2025 - 20:37