
في خطوة أثارت اهتمام المراقبين ودوائر صنع القرار في القارة الإفريقية، أعلن الرئيس الجنوب إفريقي السابق جاكوب زوما، من العاصمة الغانية أكرا، عن دعمه العلني والصريح لمقترح الحكم الذاتي المغربي كحل "عملي ونهائي" لنزاع الصحراء، واضعا بذلك حدا لعقود من التوتر بين الرباط وبريتوريا، وموجها رسالة قوية ضد محاولات تفتيت الوحدة الترابية للمغرب.
إن هذا التحول القوي في موقف زوما ليس مجرد تبدل في خطاب سياسي، بل يحمل في طياته دلالات استراتيجية عميقة، خصوصا إذا أخذنا في الاعتبار أن الرجل كان يُعد لسنوات من أبرز الداعمين لجبهة البوليساريو، بل وكان خصما بارزا للموقف المغربي داخل الاتحاد الإفريقي. لذلك، فإن إعلان زوما بأن "زمن بلقنة إفريقيا قد انتهى" هو إعلان ضمني بأن الرهانات القديمة التي قامت على تقسيم الكيانات الوطنية وتشجيع الانفصال باسم "تقرير المصير" لم تعد صالحة في السياق الإفريقي الحالي.
كلمات زوما جاءت على هامش محاضرة ألقاها أمام طلبة جامعة الدراسات المهنية في أكرا، حيث شدد على أن "أي محاولة لفصل المغرب عن صحرائه ليست سوى خدمة لأجندات خارجية"، معبرا عن رفضه لما سماه "رقص إفريقيا على إيقاعات الغرباء"، وداعيا إلى سيادة القرار الإفريقي.
وما يميز هذا التحول أنه لم يأت بمعزل عن سياق أوسع يعاد فيه رسم خرائط المصالح والتحالفات داخل القارة.. فزيارة زوما الأخيرة إلى المغرب لم تكن رمزية فحسب، بل كانت عملية وموجهة نحو إرساء أسس تعاون ملموس يشمل قطاعات حيوية كالنقل البحري، الصناعات الميكانيكية، والرياضة.
وفتحت جولته في ميناء طنجة المتوسطي، الذي وصفه بأنه "الأفضل أداء في إفريقيا"، باب التعاون بين المغرب وجنوب إفريقيا في مجالات التكوين المهني البحري، ما قد يُسهم في التخفيف من أزمة بطالة الشباب الجنوب إفريقي، وهو ما يعطي بعدا اجتماعيا لهذا التقارب السياسي.
كما أن مباحثاته مع مسؤولي مجموعة "رونو" الفرنسية في مدينة طنجة، وكذا توقيع حزبه اتفاقا مع أكاديمية الملك محمد السادس لكرة القدم، تعكس رغبة في الاستفادة من التجربة المغربية في مجالات التصنيع والتكوين الرياضي، وتؤكد أن التحول في موقف زوما لا ينفصل عن مقاربة تنموية أوسع.
ويمثل تحول موقف زوما إشارة قوية على تزايد عدد الدول الإفريقية التي باتت ترى في مقترح الحكم الذاتي المغربي حلا واقعيا ومتوازنا للنزاع المفتعل حول الصحراء. وقد تجلى ذلك أيضا في تصريحات حزبه الجديد، الذي شدد على أن المقترح المغربي هو "الأقرب للتنفيذ" و"الأكثر قابلية للحياة"، خاصة في ظل ما يشهده العالم من تحولات جيوسياسية واقتصادية تتطلب من إفريقيا توحيد صفوفها لا تقسيمها.
إن هذا التوجه ينسجم مع التحول العام في عدد من العواصم الإفريقية، التي بات معظمها ينظر إلى القضية من زاوية واقعية بعيدة عن المزايدات الإيديولوجية للحرب الباردة، ومعتمدة على منطق الربح المشترك والتكامل الإقليمي.
وقد أصبح من الواضح أن زيارة جاكوب زوما إلى المغرب، بما حملته من رمزية سياسية ومضامين اقتصادية واجتماعية، تشكل علامة فارقة في العلاقات بين الرباط وبريتوريا، وربما بين المغرب وجنوب القارة بأسرها. فهي لا تقتصر على إعادة تطبيع العلاقات، بل تحمل في طياتها بداية مرحلة جديدة قد تكون عنوانا لتقارب أوسع يضع وحدة إفريقيا في صلب الأولويات.
وفي الوقت الذي يستعد فيه حزب زوما لإرسال وفد جديد إلى المغرب برئاسة نائبه، تلوح في الأفق إمكانية بناء جسور تعاون حقيقي بين البلدين، يرى المراقبون أنها ستُنهي عقودا من التوتر وتفتح صفحة شراكة استراتيجية عنوانها الوحدة، التنمية، والاستقلالية في اتخاذ القرار.. فالمغرب اليوم بات شريكا موثوقا لدول تبحث عن حلول عملية لا شعارات جوفاء، وعن وحدة إفريقية حقيقية بدل مشاريع التفتيت والتقسيم.
وكالة الوئام الوطني للأنباء

.jpg)
.gif)
.png)
.jpg)
.gif)


.jpg)

.jpg)