
في لحظة فارقة تتقاطع فيها الجغرافيا مع التحديات الإنسانية، استقبل رئيس الجمعية الوطنية، السيد محمد بمب مكت، صباح اليوم الخميس 04 سبتمبر 2025، المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بحقوق الإنسان للمهاجرين، السيد جهاد ماضي، في إطار زيارة رسمية تهدف إلى تقييم أوضاع المهاجرين واللاجئين في موريتانيا.
ورغم الطابع البروتوكولي الظاهري لهذا اللقاء، إلا أن مضمونه العميق يعكس توجها استراتيجيا متصاعدا من المؤسسة التشريعية نحو الانخراط الجاد والمسؤول في ملف الهجرة من منظور حقوقي وإنساني.
إن لقاء رئيس الجمعية الوطنية بالمقرر الأممي لا يمكن فصله عن التحولات الإقليمية والدولية المتسارعة في ملف الهجرة، خاصة في ظل تصاعد الضغوط على الدول الواقعة على الضفة الجنوبية للمتوسط. وموريتانيا، بحكم موقعها الجيوسياسي، أصبحت نقطة عبور رئيسية، بل ومُستقرا أحيانا، لآلاف المهاجرين واللاجئين القادمين من إفريقيا جنوب الصحراء في طريقهم نحو أوروبا.
ويمثل انفتاح البرلمان على النقاش مع آليات الأمم المتحدة تحولا مهما في التعاطي مع الملف، ينقل الهجرة من مجرد "تحدٍّ أمني" أو "ضغط ديمغرافي"، إلى قضية حقوقية تستوجب حكامة تشريعية رشيدة.
ويعتبر الانفتاح البرلماني خطوة نحو تشريعات أكثر شمولية، وقد أرسلت المؤسسة التشريعية، من خلال هذا اللقاء، رسالة مزدوجة:
أولا، أن الهجرة ليست مسؤولية تنفيذية فقط، بل هي مسؤولية تشاركية تشمل السلطة التشريعية كمصدر للقوانين والرقابة والمساءلة.
ثانيا، أن موريتانيا ماضية في مواءمة تشريعاتها الوطنية مع المعايير الدولية، خصوصا اتفاقيات حقوق الإنسان المتعلقة بحماية المهاجرين، بما يعزز صورتها كدولة تحترم التزاماتها الدولية رغم التحديات البنيوية.
وتكتسي هذه الديناميكية التشريعية أهمية خاصة إذا ما أخذنا بعين الاعتبار أن برلمانات المنطقة ظلت، في أغلب الأحيان، غائبة عن النقاشات المعمقة المرتبطة بالهجرة، التي تُدار غالبا في دوائر ضيقة أمنية أو دبلوماسية.
ورغم الجهود المبذولة، تواجه موريتانيا مجموعة من التحديات المعقدة في إدارة هذا الملف، من أبرزها الضغط الديموغرافي على المدن الكبرى، خصوصا نواكشوط ونواذيبو، مع ما يترتب على ذلك من ضغط على الخدمات الأساسية، والعبء الإضافي على الدولة خلال عملية استيعاب موجات الهجرة المتواصلة، وكذلك القرارات التي يتخذها مهاجرون عابرون بالاستقرار في موريتانيا بدل مواصلة البحث عن فرص للوصول إلى أوروبا.
من هنا، تكتسي زيارة المقرر الأممي أهمية خاصة في تحفيز دعم دولي لموريتانيا في هذا المجال، ليس فقط عبر التوصيات، بل أيضا من خلال تعبئة الموارد الفنية والمالية لتطوير السياسات العمومية ذات الصلة.
إن اللقاءات التي يعقدها السيد جهاد ماضي مع الفاعلين الحكوميين والتشريعيين والمدنيين الموريتانيين، بالإضافة إلى الزيارات الميدانية المرتقبة لمدن نواكشوط، نواذيبو وسيلبابي، تشكل فرصة حقيقية لمعاينة الواقع خارج التقارير الرسمية، والتعرف على قصص المهاجرين من مصادرها المباشرة، وهو ما يراهن المراقبون على أن يشكل فرصة للاطلاع على تطابق التقارير الرسمية وتلك المعدة ميدانيا من قبل مسؤولي وخبراء الأمم المتحدة.
إن دور البرلمان، كما تجلّى في هذا اللقاء، يُعد محوريا في سنّ تشريعات توازن بين حماية الحدود وحماية الإنسان، وفي بناء شراكات إقليمية ودولية مبنية على الاحترام والعدالة، لا على المقايضة السياسية.
وهنا يجدر التنوبه إلى أن زيارة مقرر الأمم المتحدة المعني بحقوق المهاجرين ولقاؤه برئيس الجمعية الوطنية، تُشكّل لحظة سياسية ودستورية مهمة، تفتح المجال لتحويل ملف الهجرة من عبء إلى فرصة لإعادة التفكير في سياسات التنمية، في مكانة موريتانيا الجيوسياسية، وفي العلاقة بين المواطن والمهاجر داخل نفس الحيز الجغرافي.
الرهان الآن هو تحويل الحوار المؤسسي إلى إصلاح تشريعي حقيقي، يحافظ على الاعتبار لموريتانيا كبلد عبور واستقرار وإنسانية، لا كخط دفاع عن الحدود الأوروبية.. بل دفاع عن السيادة، مع مراعاة حقوق أبرياء يدفعهم الطمع، ويتاجر بهم المعتاشون على معاناة الغير.
وكالة الوئام الوطني للأنباء


.jpg)
.gif)
.png)
.jpg)
.gif)


.jpg)

.jpg)