عاطف زايد يكتب..مقاربة بين رؤية الشرفاء الحمادي والرؤية الدولية في استقرار فلسطين

منذ اندلاع النقاشات حول ترتيبات “اليوم التالي” في قطاع غزة، برزت مقترحات دولية وإقليمية تدعو إلى نشر قوات أجنبية لتولي الإدارة الأمنية وربما المدنية لفترة انتقالية. الفكرة تُطرح باعتبارها وسيلة لحفظ الأمن وتهيئة بيئة لإعادة الإعمار، لكنها في الواقع تحمل مخاطر استراتيجية عميقة قد تعيد إنتاج الأزمة الفلسطينية بدلًا من حلّها. المقارنة مع تجارب دولية مثل كوسوفو وتيمور الشرقية تكشف بوضوح أن هذا المسار محفوف بتعقيدات سياسية وأمنية واجتماعية.

السيادة بين النص والواقع:

القوات الأجنبية قد تُفقد الفلسطينيين ما تبقى من سيادتهم على القطاع. تجربة كوسوفو مثال صارخ: فقد دخلت القوات الدولية عام 1999 كترتيب مؤقت، لكنها بقيت أكثر من عقدين، وظل تأثيرها قائمًا حتى بعد إعلان الاستقلال. وهذا يثير تساؤلات حقيقية حول مدى قدرة الفلسطينيين على استعادة قرارهم إذا فُرض عليهم هذا النموذج.

صدام محتمل مع الفصائل:

غزة ليست بيئة خاملة سياسيًا أو عسكريًا. السلاح فيها جزء من المعادلة الوطنية، وأي وجود أجنبي سيُفسر كخطوة نحو نزعه أو تحجيمه. في تيمور الشرقية، واجهت القوات الأجنبية مقاومة من جماعات محلية رغم أنها جاءت تحت غطاء أممي. وفي غزة، حيث الصراع مع إسرائيل مستمر، فإن احتمالات التصادم ستكون أكثر تعقيدًا وخطورة.

تكريس الانقسام الفلسطيني:

إسناد إدارة غزة إلى قوات أجنبية يعني تهميش الأطراف الفلسطينية، سواء السلطة الوطنية أو الفصائل. وهذا يعمّق الانقسام القائم، إذ ستجد قوى فلسطينية نفسها في مواجهة مع “الإدارة الدولية”، بينما قد تتعامل أطراف أخرى معها كأمر واقع. النتيجة: مزيد من الشرذمة بدلًا من الوحدة الوطنية المطلوبة.

أجندات خارجية أكثر من فلسطينية:

السوابق التاريخية تشير إلى أن وجود القوات الأجنبية غالبًا ما يكون محكومًا بمصالح القوى الكبرى. في كوسوفو، ارتبطت بترتيبات الناتو والتوازنات الأوروبية، وليس بالضرورة أولويات السكان. وفي غزة، يُخشى أن يكون الهدف الأساسي هو طمأنة إسرائيل وإعادة رسم المشهد الأمني بما يخدمها، وليس تمكين الفلسطينيين من حقهم في تقرير المصير.

غياب الحل المستدام:

الخطر الأكبر أن هذه الترتيبات لا تعالج أصل القضية: الاحتلال وغياب الدولة الفلسطينية. أي إدارة أجنبية ستكون مجرد مسكّن مؤقت، يرحّل الأزمات ولا يبددها.

والحل البديل في الداخل….

كما طرح المفكر علي الشرفاء الحمادي من قبل وأوضح..

يبدأ الحل من الداخل الفلسطيني من خلال تشكيل حكومة موحدة تمثل جميع القوي والفصائل تمنح التخويل السياسي الكامل وتكون قادرة علي قيادة المرحلة الجديدة داخليا وخارجياً.. وعلي الحكومة الفلسطينية أن تعي خطورة اللحظة وتسارع لتوحيد الصف قبل أن يفوت الأوان وتضيع الأرض والهوية معا

التجارب المقارنة تُظهر أن الاستقرار الحقيقي لا يُفرض من الخارج، بل يُبنى من الداخل. الخيار الأكثر واقعية يكمن في توافق فلسطيني داخلي يقود إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية، وإعادة بناء المؤسسات السياسية والأمنية على أسس تشاركية. المجتمع الدولي يمكن أن يلعب دورًا داعمًا سياسيًا واقتصاديًا لكن ليس وصيًا عبر قوات أجنبية. فالشرعية تُستمد من الشعب، لا من البندقية الدولية.

ثلاثاء, 30/09/2025 - 13:41