حدث وتعليق/ تحضيرات الحوار في ظل ”نهج الغزواني”.. الهدوء السياسي والإصغاء المتبادل

أعلنت الرئاسة الموريتانية، اليوم الاثنين، عن انتهاء المرحلة الأولى من التحضيرات للحوار السياسي المرتقب، في خطوة تُعدّ مؤشرا على اقتراب البلاد من لحظة مفصلية في مسارها الديمقراطي.

وقد جاء الإعلان بعد تسلّم الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني من منسقَ الحوار، السيد موسى فال، التقريرَ النهائي الذي يتضمن رؤى ومواقف الأحزاب السياسية والقوى الوطنية حول شكل ومضامين الحوار المرتقب.

فمنذ وصول الرئيس غزواني إلى السلطة عام 2019، ظلّ الخطاب السياسي الرسمي يؤكد على خيار الانفتاح والتشاور باعتباره ركيزة أساسية لبناء الثقة بين مختلف مكونات الطيف الوطني.

وفي هذا السياق، يأتي الحوار السياسي كترجمة عملية لنهج الرئيس القائم على الهدوء، والبحث عن حلول توافقية، بعيدا عن منطق الإقصاء أو الهيمنة، الذي طبع فترات سابقة من الحياة السياسية.

فالبلاد، بعد أكثر من عقدين من التجاذبات السياسية والانتخابية، تبدو اليوم أمام فرصة لتأسيس تقاليد جديدة للحكم الرشيد، تتجاوز منطق الأغلبية والمعارضة الصِّرف، نحو منطق الشراكة الوطنية في بناء المستقبل.

إن اختيار السيد موسى فال لتنسيق التحضيرات لم يكن اعتباطيا؛ فهو شخصية معروفة باعتدالها وعلاقاتها المتوازنة مع مختلف الأطراف.

ومنذ مارس الماضي، أجرى فال سلسلة لقاءات مكثفة مع الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني، لجمع التصورات حول أجندة الحوار، وتهيئة الأرضية المناسبة لإطلاقه في ظروف توافقية.

وبحسب المراقبين، فقد نجح في إدارة مرحلة صعبة من التمهيد، كانت تتطلب قدرا كبيرا من الحياد والحكمة، وسط تعدّد المقاربات واختلاف الأولويات بين القوى السياسية.

ويأتي إعلان نهاية المرحلة الأولى من التحضير للحوار في توقيت حساس، يتسم بارتفاع منسوب الترقب في الشارع الموريتاني، وتزايد الدعوات إلى إصلاحات سياسية واقتصادية جذرية.

كما يتزامن مع التحضير للاستحقاقات الانتخابية المقبلة، وازدياد الحاجة إلى توافق وطني شامل حول القواعد الناظمة للممارسة الديمقراطية.

ولذلك فإن هذا التطور لا يحمل طابعا إجرائيًا فقط، بل يعكس أيضا نضجا سياسيا في مقاربة السلطة لمسألة الحوار، بوصفه أداة لبناء التفاهم الوطني، لا مجرد وسيلة لإدارة الخلافات المرحلية.

تصريحات الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني السابقة، التي أكد فيها أن الحوار يجب أن يكون “جامعا وصريحا ومسؤولا، لا يُقصي أحدا ولا يستثني موضوعا جوهريا”، تلخّص رؤية سياسية متقدمة للحوار الوطني.

فهو لا يريد حوارا شكليا يهدف إلى كسب الوقت أو تحسين الصورة، بل مسارا وطنيا مؤسسا لتوافقات طويلة المدى حول أولويات الدولة ومؤسساتها الديمقراطية.

هذا التوجه ينسجم مع ما بات يُعرف بـ”نهج الغزواني”، القائم على الهدوء السياسي والإصغاء المتبادل، مقابل مناخات التوتر التي كانت سمة بارزة في مراحل سابقة من التجربة الموريتانية.

ورغم التباينات في تقييم بعض القوى السياسية لمسار التحضير، فإن هناك إجماعا متزايدا على ضرورة الحوار كأداة لإنهاء حالة الركود السياسي وإطلاق دينامية وطنية جديدة.

فالموريتانيون اليوم أكثر وعيا بأهمية التوافق والاستقرار، في ظل التحديات الإقليمية المتزايدة المحيطة بالبلاد، سواء أمنية أو اقتصادية أو اجتماعية.

ولذلك، فإن نجاح هذا الحوار سيكون بمثابة اختبار جديد للنخبة السياسية، وقدرتها على تجاوز الحسابات الضيقة لصالح المصلحة الوطنية العليا.

إن تسلّم الرئيس غزواني لتقرير المنسق موسى فال يمثل إشارة قوية إلى أن الدولة ماضية في خيار الحوار، كمنهج لإدارة الشأن العام لا كحدث عابر.

وإذا ما أُحسن استثمار هذه الفرصة، فقد يشكل الحوار السياسي المرتقب منعطفا تاريخيا نحو ترسيخ ديمقراطية أكثر نضجا، وتوطيد عقد اجتماعي جديد يقوم على الثقة، والشفافية، والشراكة في بناء الدولة الحديثة.

 

وكالة الوئام الوطني للأنباء

 

اثنين, 13/10/2025 - 23:09