"اللي اكبر احشم" عن الإعلام الرسمي أتحدث / الإعلامي أحمدو اندهمر

 

منذ أكثر من نصف قرن ويزيد ظل الإعلام الرسمي هو الإعلام الوحيد الذي يصول ويجول في الساحة الوطنية  بلامنازع، ويربط أطراف البلد المترامية برأس الدولة وجهات القرار العليا ،كإعلام تنويري موجِه ومؤطر ومخبر في مستوى ثالث ،لأن البلد كان يومها أحوج إلى خلق الإنسان الموريتاني الوطني والمدرِك لدوره في بناء وتنمية وطنه  ووطنيته، والمؤهل للمدنية والتفاعل الإيجابي مع القرارات الرسمية أكثر منه إلى أي شيء آخر ..
وظلت هذه الريادة وهذا التصدر والتحرك في الحلبة وحيدا ، إلى عهد  تحرير الفضاء السمعي البصري منذ عقد ونصف ودخول عناصر جديدة في المشهد الاعلامي سمتها الأبرز حرية الرسالة الاعلامية وتجردها من الكثير من المكابح والقراءات التي لم يسبقه إليها منبر إعلامي قط ، وكانت سابقة أضفت على المشهد الإعلامي حيوية ونشاطا وديناميكية جديدة تذكر فتشكر..
وتعددت بعد ذلك المنابر الإعلامية مع دخول وسائط التواصل الاجتماعي على الخط ، واختطفت هي الأخرى الأضواء وفعّلت قواعدها وفق نظام ونسق السرعة والسبق،  متحررة في ذلك من أي ضابط مهني  في عملية البث والنشر ومراعاة ثوابت الوطن ووحدته ومقدساته ، وهي الثوابت التي طالما وسَمت الإعلام الرسمي بكل الأوصاف وجعلته يُحشرُ في الزاوية وتُكال له التهم من قبيل التقصير أو تفنيد الجدوائية من أصلها ..
ورغم كل ماعرفه الإعلام الحر ومنابر الدعاية الأخرى من تحرر وانفلات ومواكبة للمستجدات، يجدر التنويه هنا إلى أنه لن يبلغ مستوى الإعلام الرسمي وانتشاره في عموم التراب الوطني عبر وسائله المختلفة وإمكاناته اللوجستية المتطورة..
هذه الخاصية ينفرد بها الإعلام العمومي ، وحيدا ،من خلال وحداته الموزعة في كل شبر من الوطن ،وقدرته كذلك على نقل الخبر من أي مكان بالصوت والصورة وحتى في المناطق التي تفتقد التغطية بشبكة الإنترنت..ولايمكن أن ينافسه فيها حساب فيسبوكي ولامنصة ولا موقع إخباري .
لكن هذه هي مهامه الجوهرية التي ينجزها بصمت وهدوء وإيمان صادق  برسالته، دون تبجح أو استعراض..

والمقارنة بين "أجهزة" الإعلام الرسمية ، و"أجهزة" الإعلام البديل هي خوض في جدل واسع وتغاض عن معطيات لاتصمد أمام البرهان الميداني والعملي ..
صحيح جدا أن الإعلام الرسمي له نواقص ويحتاج لتحسينات وتطوير في المخرج، وهو ماتعكف عليه المؤسسات الإعلامية حاليا من خلال التكوين والتأطير وإيفاد البعثات، واستقبال طواقم التدريب والتأطير،  والشعور بالحاجة الماسة إلى مزيد تكوين الإطار البشري وتحديث الترسانة التقنية والفنية،  حتى تواكب المستجدات ، وهذا في حد ذاته يعتبر تحركا إيجابيا باتجاه مساعي الإصلاح والتطوير والاعتراف بالنقص..
وعليه يجب تفهم رسالة الإعلام الرسمي وعدم  تقزيم أدواره والتنكر لها ، خصوصًا إذا علمنا أنه هو الإعلام الأول الذي أحتضن أغلب الطاقات الشبابية المتصدرة اليوم في المنابر الأخرى وأطرها وأهّلها  حتى أصبحت ذات شأن،وذلك في وقت لم تكن في البلد معاهد إعلامية متخصصة،  كما رافق المؤسسات الإعلامية الحديثة في جميع احتياجاتها من التكوين والتأطير والتبادل في المعلومات والصور الحصرية والمواد الانتاجية التي عجزت عن الوصول إليها بسبب بعد الشقة وضعف التجهيزات الفنية والتكاليف المادية للتنقل والإنتاج..

وهنا كذلك... يجب التمعن مليا في حنكة الإعلام الرسمي وهو يسير بخطى متثاقلة في زمن السرعة والبثوث المباشرة ولهيب السبق الإعلامي ، فذلك ليس عجزا منه في المجاراة والسباق،   بقدر ماهو من حكمة التقدم في السن والتريث والتروي في نقل المعلومة وتحليل أبعادها على الوحدة الوطنية وأمن الوطن واستقراره، وتحاشي كل المزالق التي وقع فيها الكثير من المنابرالاعلامية  الحديثة  المفتقدة للرشد في التقييم والنظر بعيدا في المآلات والتبعات ..
ومهما يكن من أمر سيبقى الإعلام الرسمي سيد الميدان بلامنازع ،بفِرقه المنتشرة في كل شبر من الوطن وتجهيزاته الفنية القادرة على نقل الصوت والصورة من أي نقطة من التراب الوطني ، والحجم الكبير من الموارد البشرية والتخصصات والكفاءات  الاعلامية والفنية التي يحتكرها لنفسه دون منازع ..
لكن السؤال المطروح ،هل  من يحكمون على الإعلام الرسمي ويفندون أدواره ، ويُتفّهون عمله ، يتابعونه حقا وينشغلون  بفرز مخرجاته والتخير منها ،أم أنهم يحكمون بالسماع والأفكار المسبقة دون استناد إلى الوقائع والتطور المشهود في المخرجات؟ يُساورني الشك في هذه النقطة بالذات !

أحد, 26/10/2025 - 12:41